الاثنين، 10 نوفمبر 2014

زاد المسافر و طريق السفر ومركبه:

نتكلم عن سفر عظيم وأمر جسيم وهو سفر الهجرة إلى الله ورسوله، فما زاد هذا السفر وما طريقه وما مركبه؟
زاده العلم الموروث من خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ولا زاد له سواه فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته وليقعد مع الخالفين. 

فرفقاء المتخلف البطالون أكثر من أن يحصوا، فله أسوة بهم، ولن ينفعه هذا التأسي يوم الحسرة شيئا كما قال تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} فقطع الله سبحانه انتفاعهم بتأسي بعضهم ببعض في العذاب، فإن مصائب الدنيا إذا عمت صارت مسلاة، وتأسى بعض المصابين ببعض 
كما قالت الخنساء
ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن ... أسلي النفس عنه بالتأسي
فهذا الروح الحاصل من التأسي معدوم بين المشتركين في العذاب يوم القيامة.
وأما طريقه: فهو بذل الجهد واستفراغ الوسع، فلا ينال بالمني، ولن يدرك بالهوينا، وإنما هو كما قيل:
فخض غمرات الموت واسم إلى العلا ... لكي تدرك العز الرفيع الدائم
فلا خير في نفس تخاف من الردى ... ولا همة تصبو إلى لوم لائم
ولا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين:
أحدهما: أن لا يصبو في الحق إلى لوم لائم فان اللوم يصيب الفارس فيصرعه عن فرسه ويجعله صريعا في الأرض.
والثاني: أن تهون عليه نفسه في الله، فيقدم حينئذ ولا يخاف الأهوال فمتى خافت النفس تأخرت وأحجمت وأخلدت إلى الأرض، ولا يتم له هذان الأمران إلا بالصبر، فمن صبر قليلا صارت تلك الأهوال ريحا رخاء في حقه تحمله بنفسها إلى مطلوبه، فبينما هو يخاف منها إذ صارت اعظم أعوانه وخدمه، وهذا أمر لا يعرفه إلا من دخل فيه.
وأما مركبه فصدق اللجأ إلى الله وانقطاع إليه بكليته وتحقيق الافتقار إليه بكل وجه والضراعة إليه وصدق التوكل والإستعانة به والانطراح بين يديه انطراح المسلوم المكسور الفارغ الذي لاشيء عنده فهو يتطلع إلى قيمه ووليه أن يجده ويلم شعثه، ويمده من فضله ويستره فهذا الذي يرجى له أن يتولى الله هدايته وأن يكشف له ما خفي على غيره من طريق هذه الهجرة ومنازلها.

الرسالة التبوكية، ابن القيم .. بتصريفٍ يسير 📖

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية